الكلفة ترفع الألفة

الكلفة ترفع الألفة

05 August 2021

بقلم: 

د. أحمد عمرو عبد الله

أستاذ علم النفس الإكلينيكي المساعد 

 

أصبحت الزيارات العائلية والمناسبات الاجتماعية بشكل عام أحد أهم مصادر الضغوط النفسية والأعباء الاقتصادية لدى البعض حالياً، بعد أن كانت أهم سبل المساندة الاجتماعية لما تحققه من توطيد صلة الرحم وزيادة التماسك الاجتماعي. نتيجة لبعض المغالطات الفكرية أو أخطاء التفكير كالوجوبيات لقواعد ظن البعض أن لابد ويجب الإلتزام بها وإلا سيصبحوا أقل تقديراً وقيمة أمام ذاتهم والآخرين (مثل القول الدارج .. مش عايز الناس تأكل وشي)، وقد يكون ذلك غالباً من منظور ذاتي، وقد دعمت مشاهد الدراما هذا المعتقد بشكل كبير. وينطبق ذلك على صاحب الدار والزائر على حد سواء. فقد تنشغل عديد من الأسر سواء المضيفة أو الزائرة بواجب الضيافة أو بالتهادي أكثر بكثير من الاستمتاع بالصحبة والصداقة وصلة الرحم مما يفسد عليهم الاستمتاع باللحظة أو تفقد تلقائية وانسيابية اللقاء ويصبح اللقاء مصطنع إلى حد كبير، ويجعلهم أمام خيارين إما العزوف عن الزيارات أو التورط في شراء هدايا باهظة الثمن. وتتحول الزيارات إلى جولة من المنافسة بين الأهل والأصدقاء فيتبادر إلى أذهانهم بعض التساؤلات والمقارنات غير الصحية، مثل من هديته أغلى وأكثر قيمة من غيره؟ من كانت مائدته مليئة بما لذ وطاب من الطعام أكثر من الآخر؟ لا يرتبط ذلك بالزيارات التقليدية فحسب بل تعددت المناسبات كالنجاح والتخرج وأعياد الميلاد والأفراح وغيرها من المناسبات لدرجة تجعل البعض يلجأ للاستدانة والوقوع في الأزمات المالية للحفاظ على المظهر الاجتماعي المزيف، أو أن تقع بعض الأسر تحت شروط قاسية لكي ترضي الآخرين كمناسبة الزواج مثلاً لابد أن تظهر في  أبهى صورها من ولائم وكافة متطلباتها. فتتعدد أسباب المبالغة في تكاليف الزيارات والمناسبات الاجتماعية منها على سبيل المثال لا الحصر الترحيب والود وتقدير الآخرين والقيم والعادات الاجتماعية والتباهي والتفاخر والخوف من اللوم والحفاظ على المستوى الاجتماعي.     

فما هي المهارات والأنشطة الاجتماعية التي تساعدنا على استقبال الزوار بشكل مناسب بعد اكتسابها،  كالتحية بنبرة صوت هادئة وبلباقة وبأكثر من كلمة، والاعتراف بالتقصير بدون مبالغة، وتوجيه الإطراء الحميد، وحسن الانصات بنشاط وتفاعل، وحس الفكاهة، والتواصل البصري وعدم الانشغال أو الاختباء خلف الموبايل، ومخاطبة الناس بأسمائهم، والتعاطف مع الآخرين وتشجيعهم على التحدث عن أنفسهم، وتوفير أنشطة سارة داخل المنزل تمنح لك ولضيفك الاستمتاع والفرصة للحديث والحوار وعدم انقطاعه، بالإضافة إلى تقبل الشعور بالحرج فقد يكون وارد جداً تعرضك لأي محرج عليك تخطيه والانشغال بواجب الضيافة، كما نجد أن البعد عن الأسئلة المغلقة  (التي تبدأ بهل) أمر ضروري حيث أنها لا تشجع على المزيد من المشاركة والحوا، فضلاً عن تجنب استخدام أسئلة "لماذا" التي قد تجعل الشخص دفاعيا أو يختلق الأعذار. كما أن هناك بعض السلوكيات التي يجب تجنبها أثناء الزيارة  كالنظر بعيدا عن الشخص أو الجلوس بعيدا أو الالتفات بعيدا عنه، أو إغلاق العينين أو التثاؤب أو النظر إلى الساعة أثناء الحوار.

 لابد هنا أن أفرق بين المساندة الاجتماعية وإدراكها، بمعنى قد تظن أنك قدمت أغلى شيء للغير لكن قد لا يرى غيرك مقدار وقيمة هذا الشيء الذي قدمته. فقد يصبح التقدير وحسن الاستماع وتقديم النصيحة لدى البعض أكبر قيمة من هدية باهظة الثمن أو وليمة فاخرة بالنسبة له، أو قد تكون الهدية بعيدة عن المغالاة لكنها فريدة  أو غير متوقعة (عنصر المفاجأة) أو تتماشي مع ذوق وتفضيل من تود تقديمها له هنا تصبح قيمتها كبيرة جداً. الأمر الأكثر أهمية هنا يتعلق بإدارة وقتك وتأكيد ذاتك أي أن تتعلم قول (لا) بدون أن تجور بحق الآخرين لكن عليك أن تتوقف عن الموافقات التلقائية على طلبات زيارات الآخرين إذا كانت خارجة عن قدرتك، فيمكن أن تتحول دعوات الاحتفالات والنزهات والزيارات العائلية المكثفة إلى التزامات اجتماعية مرهقة. هذه بمثابة خطة إيجابية لقضاء وقت سعيد دون الانشغال بالآخرين أو بالكيفية التي يجب أن تتم بها الزيارة. فالانطباع الأول الذي يتلقاه ضيوفك عند دخولهم منزلك واستقبالك لهم بالترحيب والابتسام والتقدير ولا يشترط ذلك بالمغالاة في تقديم المشروبات والحلوى والوجبات. وإذا كانت الزيارات العائلية مرهقة لك في الماضي ، ففكر في إدارتها جيداً مستقبلاً. ويجب أن نسترشد بقول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) لأن كثير من الأسر تكلف نفسها فوق طاقتها وإمكانياتها المادية، فتكون نهاية الزيارة مؤسفة للغاية لما يترتب عليها حالة من الندم والحزن الشديد وعدم تلبية احتياجات الأسرة بعد ذلك. فمن حق الأسر الاعتزاز بضيوفها بحسن الضيافة ولكن بدون إسراف. وهو ما يؤكده المثل الشعبي الدارج "لاقيني ولا تغديني" أي أن حسن لقاء الضيف خير من تقديم الطعام له. ومن هنا علينا التوازن بين التعزيز المادي والمعنوي بين الوليمة والهدايا وبين الترحيب والابتسام الحار.